أ.د. لطفي منصور أدَبُ الشِّيفْرَةِ

 أ.د. لطفي منصور

أدَبُ الشِّيفْرَةِ

هُوَ مِنَ الْأَدَبِ الرّامِزُ، قَلِيلٌ وُجُودُهُ في الْأَدَبِ الْعَرَبِييّ، وَهُوَ غَيْرُ الرَّمْزِ في الْأَدَبِ، فَهَذا كَثِيرٌ في أَدَبِنا خاصَّةً الْحَدِيثُِ, كَما هُوَ الْحالُ عِنْدَ السَّيّابِ وَالْبَياتي وَالْجَواهِرِي، الَّذينَ ذَهَبُوا إلى الرَّمْزِ خَوْفًا مِنَ السِّجْنِ وَالتَّعْذِيبِ فيهِ.

لا أَعْرِفُ أَحَدًا قَبْلِي قَدْ أَطْلَقَ هَذا الِاسْمَ عَلى هَذا الْأَدَبِ, لِأَنَّ ما جاءَ مِنْهُ مِنْ نُصُوصٍ اُسْتُعْمِلَ في الشُّؤونِ الْعَسْكَرِيَّةِ.

وَقَعْتُ عِلى نَصٍّ مِنْ هَذا الْأَدَبِ يـَعُودُ إلى الْعَصْرِ الْجاهِلِي، مِنْ أدَبَ الْأَمالي وَالْمَجالِسِ.

المَقْصودُ في الشِّيفْرَةَ عِلْمُ التَّعْمِيَةِ، أَوْ ما يُسَمَّى عِلْمَ التَّشْفِيرِ. التَّعْمِيَةُ عَلى الْعَدُوِّ. إلَيْكُمْ النَّصَّ الْأَدَبِيَّ لِتَطَّلِعُوا عَلَيْهِ أَوَّلًا:

 كانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ أَسِيرًا عِنْدَ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ ، عَرَفَ أَنَّ آسِرِيهِ يُعِدُّونَ الْعُدَّةَ لِغَزْوِ قَوْمِهِ، فَأَرادَ أَنْ يُنْذِرَ قَوْمَهُ لِيَأْخُذُوا الْحَيْطَةَ. طَلَبَ الْأَسِيرُ رَجُلًا يُرْسِلُهُ إلى قَوْمِهُ، فَقالُوا لَهُ: لا تُرْسِلْ إلّا بِحُضورِنا حَتَّى نَعْرِفَ ما تَقُولُ.

قالَ لِلرَّسولِ: أَبْلُغْ قَوْمِي التَّحِيّةَ وَقُلْ لَهُمْ أنْ يُكْرِمُوا فُلانًا - يَعْنِي أَسيرًا كانَ في أَيْدِيهِم مِنْ بَكْرِ بنِ وائِلٍ - فَإنّّ قَوْمَهُ لِي مُكْرِمُونّ، وَقُلْ لِهُمْ إنَّ الْعَرْفَجَ قَدْ أَدْبَى، وَقَدْ شَكَّتِ النِّساءُ، وَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعْرُوا ناقَتِي الْحَمْراءَ فَقَدْ أطالُوا رُكُوبَها، وَأَنْ يَرْكَبُوا جَمَلِيَ الْأصْهَبَ بِآيَةِ أِكَلْتُ مَعَكُمْ حَيْسًاً، وَاسْأَلُوا الْحارِثَ عَنْ خَبَرِي.

فَلَمّا أَدّى الرَّسُولُ الرِّسالَةَ احْتارَ الْقَوْمُ في فَهْمِها، فَهُرِعُوا إلى الْحارِثِ وَكانَ كَبِيرَ عُقَلائِهِمْ. فَلَمّا وَقَفَ الْحارِثُ عَلى مَضْمُونِ الرِّسالَةِ أَمَرَهُمْ بِتَسْرِيحِ الرَّسُولِ، وَقالَ لَهُمْ: لَقَدْ أَنْذَرَكُمْ فَخُذُوا حَذَرَكُمْ. وَفَكَّ لَهُمْ الشِّيفْرَةَ.

قَوْلُهُ: إنَّ الْعَرْفَجَ قَدْ أَدْبَى: اُسْتَلْأَمَ الْقَوْمُ أيْ لَبِسُوا اللَّأْماتِ، جَمْعُ لَأْمَةٍ وَهِيَ السِّلاحُ بِكُلِّ أنواعُهِ، والْعَرْفَجُ شَجَرٌ صَحْراوِيٌّ لَهُ أَشْواكٌ حادَّةٌ. أَلْمَى: اِمْتَدَّ وَكَثُرَ.

وَقَوْلُهُ: شَكَّتِ النِّساءُ أَيْ اتًَّخْذْنَ الشِّكاءَ وَهِيَ أَوْعِيَةُ حَلْبِ النِّياقِ في السَّفَرِ.

وَقَوْلُهُ ناقَتي الْحَمْراءَ: أيْ ارحَلُوا مِنَ الْأَماكِنِ الْمُنْخَفُضَةِ إلى الْأماكنِ الْمُرْتَفِعَةِ وَهِيَ الْجَمَلُ الْأَصْهَبُ.

وَقَوْلُهُ: بِآيَةِ أكَلْتُ مَعَكُمْ حَيْسًا أَيْ أَخْلاطٌ مِنَ النّاسِ يَغْزُوكُمْ. الْحَيْسُ وَهُوَ أَلَذُّ طَعامٍ عِنْدَ الْعَرَبِ يُصْنَعُ مِنَ التَّمْرَ وَالسَّمْنِ وَالْجُبْنِ ، وَيُسَمَّى الْأَقُطُ أيْضًا.

فَامْتَثَلُوا أَمْرَ الْحارِثِ وَصَدُّوا الْقَوْمَ الْمُعْتَدِينَ وِحَرَّرُوا أَسُيرَهُمُ الَّذي أَنْذَرَهُمْ .



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(( الشــرح الكافـــي في علمــي العـــروض والقـــوافــي )) اعداد الشاعر / سيد غيث ...

غافلت بيتي.... مهيااارالليل .....

عيون إلزا لويس أراغون / Louis Aragon نص منقول